حين يتباكى المُحرِّض… ويتقمّص ثوب القاضي..
الجمعه 19 ديسمبر 2025 - الساعة 10:58 مساءً
من المثير للسخرية، بل من المعيب سياسيًا وأخلاقيًا، أن يخرج علينا شوقي القاضي، عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح، ومعه أحمد عثمان ناطق الحزب في تعز، ليطالبا اليوم بمحاكمة كل من ينتقد نهج جماعة الإخوان المسلمين، متذرعين بالقانون، ومتباكين على “التحريض”، وكأن الذاكرة اليمنية قصيرة، أو كأن سجلهم الأسود قد مُسح فجأة.
أي قانون هذا الذي استيقظ فجأة، وأي عدالة هذه التي لا ترى إلا بعيون الإخوان، فحين يتحول النقد السياسي إلى جريمة، بينما يُمنح التحريض الحزبي حصانة مطلقة، نكون أمام مشهد عبثي لا علاقة له بالدولة ولا بالقانون، بل بمنطق الجماعة التي لا ترى إلا نفسها.
قبل أن يتحدث شوقي القاضي عن “التحريض” بوصفه جريمة مكتملة الأركان، عليه أن يجيب على سؤال بسيط، أين كان هذا الحرص على القانون عندما تحولت منابر الإصلاح، وقنواته، وصفحاته، إلى مصانع كراهية وتحريض، عندما جرى التحريض العلني ضد الشهيد عدنان الحمادي حتى اغتياله، وضد أبو العباس، وضد أبو الصدوق، وضد كل صاحب رأي مدني حداثي تقدمي لا يدور في فلك الجماعة، عبر قنوات بلقيس ويمن شباب وسهيل، بلا حسيب ولا رقيب.
يومها لم نسمع بيانًا عن القانون، ولا دموعًا على السلم المجتمعي، ولا دعوة للنيابة أو القضاء، بل رأينا تصفيقًا، وتبريرًا، وصمتًا إجراميًا، وكأن الدم يصبح مباحًا إن كان الضحية خارج التنظيم.
المعادلة عند حزب الإصلاح واضحة وفجة، إن انتقدت الإخوان فأنت مجرم ومحرض، وإن حرّض الإخوان عليك فهذا رأي سياسي، وهذه ليست سياسة ولا حرية رأي، بل مافيا خطاب تحاول مصادرة المجال العام وتحويل الدولة إلى أداة قمع انتقائية.
أما أحمد عثمان، الذي يظهر اليوم بوجه “العاقل الحريص”، فالأجدر به أن يخبرنا، هل كان ناطقًا باسم القانون حين كانت تعز تُدار بخطاب التعبئة والكراهية، أم أن الصوت لا يُرفع إلا عندما تُمسّ الجماعة، بينما يُصمّ السمع والبصر حين تُدمر المدينة اجتماعيًا وسياسيًا.
تعز، التي أنهكها التحريض والانقسام والوصاية الأيديولوجية، لا تحتاج خطابات وعظية من أولئك الذين كانوا جزءًا أصيلًا من أزمتها، ولا يمكن أن تُدار بمنطق التخوين وتكميم الأفواه.
النقد السياسي ليس جريمة، والحديث عن فشل الإخوان وتناقضهم ونهجهم التدميري حق مشروع، ومن يريد أن يحتكم إلى القانون فليبدأ بفتح ملفات التحريض السابقة، ومساءلة المنابر الإعلامية الحزبية، ومحاسبة من سفكوا الدم بالكلمة قبل الرصاصة، أما استخدام العدالة كعصا سياسية فهو إعلان صريح بعدم الإيمان بالدولة، بل بالجماعة.
اليمن لا تُبنى بالصراخ ولا بالتحريض ولا بتقديس التنظيمات، بل بدولة قانون ومواطنة متساوية، ومن اعتاد إشعال الحرائق لا يحق له أن يظهر اليوم في ثوب رجل الإطفاء، فالشعب لم ينسَ، والتاريخ لا يرحم.














