من القاضي إلى الجلاد: جريمة إعدام المحامي عبد الرحمن النجاشي، كيف نُكيّفها، ونحمي عدالتها؟

الاثنين 27 أكتوبر 2025 - الساعة 02:29 مساءً
المصدر : الرصيف برس - معاذ ناجي المقطري

 


ما بعد الثانية من مساء الخميس الماضي الموافق 23 أكتوبر، كان المحامي الواعد عبد الرحمن النجاشي يحتمي في دكانه الصغير، ذلك الملاذ الأخير الذي تحول إلى فخ مميت. أمام عينيه، كانت أمه وزوجته وأطفاله الصغار يصرخون، وخلفه جنود يرتدون الزي الرسمي يكسرون الباب الزجاجي، ليمنعوه من النجاة.

 

في المشهد الخلفي، يقف القاضي (ث. هـ)، أحد قضاة محكمة الحجرية الابتدائية، وهو هنا من يشرف على العملية برمتها.

 

كانت هذه اللحظات الأخيرة في حياة محامٍ شاب أراد أن يكرس حياته للدفاع عن حقوق الناس أمام سلطان القضاء الشريف،  ليقف عاجزاً عن الدفاع عن حقه في الحياة، أمام القاضي الجلاد.

 

الفصل الأول: الجريمة المتسلسلة - من الاعتقال التعسفي إلى الإعدام الميداني

 

المشهد الأول: البداية الغادرة

 

بدأت الجريمة بمشهد اعتقال تعسفي عندما حاول ثلاثة جنود بقيادة القاضي " ث هـ" اعتقال النجاشي دون أمر قضائي. فوفقاً للمادة 162 من قانون العقوبات اليمني، يعتبر هذا "اعتقالاً تعسفياً" يعاقب عليه القانون. لكن الجريمة تصاعدت عندما قام الجنود بضرب النجاشي بوحشية، ولجأ  إلى دكانه، فتحولت إلى عملية تعذيب وفق المادة (185) وانتهاك "انتهاك حرمة المسكن" وفق المادة 158 من القانون ذاته.

 

المشهد الثاني: التصعيد المُمَنهج

 

ما حدث بعد ذلك، كان تصعيداً متعمداً. كسر الجنود الباب الزجاجي للدكان، مما يشكل جريمة "إتلاف الممتلكات" وفق المادة 186. ثم طلبوا تعزيزات، فجاءت سيارة شرطة تحمل سبعة جنود إضافيين، وصلوا واطلقوا النار لتفريق المتجمهرين لمنع الجريمة،  هنا تحولت الجريمة من فردية إلى جماعية، ومن عفوية إلى ممنهجة.

 

المشهد الثالث: الإعدام العلني..

 

لم يكتفِ الجناة بملاحقة النجاشي، بل حولوا عملية القتل إلى مشهد إعدام علني. عندما حاول الفرار إلى بيته، لاحقوه وأطلقوا النار عليه أمام عائلته وجيرانه. هذه الواقعة لا تقع تحت طائلة المادة 336 الخاصة بالقتل العمد فحسب، بل تندرج تحت "القتل مع سبق الإصرار والترصد" بسبب التخطيط المسبق والملاحقة.

 

الصدمة المجتمعية:

لم تكن جريمة القتل هي الصدمة الوحيدة، بل كانت ردود الفعل اللاحقة تمثل صدمة أكبر. دخلت مدينة التربة في حالة حداد صامت يخيم فيه الحزن والرعب على كل بيت وكل أسرة. وهو ما تحول تدريجياً إلى غضب عارم.

 

وفي اليوم الرابع، (اليوم الأحد) انفجر الغضب الكامن في واحدة من أكبر المظاهرات التي شهدتها المدينة. خرج الآلاف حاملين صور الشهيد، يهتفون: "العدالة... العدالة... قادمة لا محالة"، "عدالة النجاشي إصلاح للقضاء والأمن".

 

الفصل الثاني: التكييف القانوني - بين التشريع الوطني والمواثيق الدولية.

 

التكييف الدستوري:

انتهكت الجريمة صلب الدستور اليمني. فقد انتهكت المادة 48 التي تكفل "حرية المواطنين الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم" بالاعتقال التعسفي والقتل. كما انتهكت المادة 49 التي تنص على أن "الاعتقال لا يجوز إلا بموجب قانون" وذلك باستخدام القوة دون سند قانوني. وانتهكت المادة 66 الخاصة باستقلال القضاء باستغلال القاضي لسلطته.

 

التكييف الجنائي: سلسلة جرائم متصلة

وفق قانون الجرائم والعقوبات اليمني:

 * الاعتداء بالضرب (المادة 185)

 * الاعتقال التعسفي (المادة 162)

 * إتلاف الممتلكات (المادة 186)

 * التهديد بالإرهاب (المادة 188)

 * القتل العمد مع الظروف المشددة (المادة 336)

 

التكييف الدولي: انتهاك المواثيق

 

انتهكت الجريمة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه اليمن عام 1987. فقد انتهكت المادة 6 الخاصة بالحق في الحياة، والمادة 7 الخاصة بمنع التعذيب، والمادة 9 الخاصة بالحرية والأمان الشخصي. كما انتهكت اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها اليمن عام 1991.

 

الفصل الثالث: جريمة المنظومة - عندما تتحول الدولة إلى مُجرم

 

الدور المزدوج للقاضي

 

لم يكن القاضي "ث. هـ" مجرد متفرج، بل كان شريكاً أساسياً ومحرضاً رئيسياً في الجريمة. وفق المادة 153 من قانون العقوبات اليمني، يعتبر هذا "إساءة استخدام للسلطة". وقد يصل فعله إلى "التحريض على الجريمة" وفق المادة 69 التي تنص صراحة على أن "المحرض يعاقب بالعقوبة المقررة للجريمة إذا وقعت بناء على تحريضه". كما تؤكد المادة 67 من القانون ذاته أن "الشركاء في الجريمة يعاقبون بالعقوبة المقررة لها"، مما يعني أن القاضي المحرض ينال نفس عقوبة القاتل المباشر. وجود قاضٍ في موقع الجريمة ليس مجرد مشاركة في جريمة، بل هو انهيار كامل لمنظومة العدالة، حيث يتحول حامي القانون إلى منتهك له.

 

تواطؤ الأجهزة الأمنية

 

تحولت الأجهزة الأمنية من حامية للقانون إلى منتهكة له. استخدام المركبات الرسمية والأسلحة الحكومية في جريمة شخصية يشكل "انتحالاً للصفة" وفق المادة 161، رغم أن الجناة كانوا موظفين حقيقيين، لكنهم استخدموا الصفة الرسمية لأغراض غير قانونية.

 

التستر المؤسسي

 

ما بعد الجريمة كان جزءاً من الجريمة نفسها. حيث امتنع الجناة عن إسعاف الضحية، على متن سيارة الشرطة التي حملتهم إلى ساحة إعدامه. وهو ما يُعد جريمة مستقلة وفق المادة 189 الخاصة "بالامتناع عن إنقاذ شخص في خطر". كما تم إخفاء مقاطع كاميرات المراقبة التي تظهر ملاحقتهم للجاني ومُسعفيه إلى مستشفى خليفة العام، وهو ما يشكل جريمة "إخفاء للأدلة" وفق المادة 222.

 

الفصل الرابع: حماية العدالة - من المجزرة إلى الإصلاح

 

الآليات القضائية العاجلة

 

يجب أن تكون الدعوى القضائية شاملة لا تركز على جريمة القتل فقط، بل على جميع الجرائم المرتبطة بها. كما يجب الطعن بعدم اختصاص محكمة الحجرية، كونها المحكمة التي يعمل فيها القاضي المتورط في الجريمة. ويجب نقل القضية إلى جهة قضائية محايدة. كما أن تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة أصبح ضرورة حتمية.

 

الضغط المجتمعي المُنظَّم

 

يمكن إنشاء "ائتلاف عدالة التربة" يضم نقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني وعائلات ضحايا الانتهاكات السابقة. تنظيم وقفات احتجاجية أسبوعية أمام المحكمة ومقر الشرطة يخلق ضغطاً مستمراً.

 

الآليات الدولية

 

التواصل مع المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني باستقلال القضاة والمحامين، والمقرر الخاص المعني بالتعذيب، والمقرر الخاص المعني بالإعدام خارج نطاق القضاء. رفع بلاغات عاجلة إلى لجنة حقوق الإنسان واللجنة المعنية بمناهضة التعذيب.

 

الإصلاح المؤسسي

 

تحويل القضية من مجرد مأساة فردية إلى منصة للإصلاح المؤسسي. المطالبة بإصدار "ميثاق شرف" للقضاة وضباط الشرطة. إنشاء آلية رقابية مستقلة للتحقيق في شكاوى المواطنين ضد القضاة ورجال الأمن.

#عدالة_النجاشي_إصلاح_للقضاء_والأمن

#من_إفتهان_إلى_عبدالرحمن_العدالة_واحدة

 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس