توسّع الحوثيين في السودان يُهدّد باندلاع صراعٍ أوسع
الاحد 19 أكتوبر 2025 - الساعة 05:42 مساءً
المصدر : الرصيف برس - Eurasia Review

بعد ما يقارب خمسة أشهر على إعلان الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) وقفاً أحادياً لإطلاق النار — يقضي بوقف القصف ضد الحوثيين المتمركزين في صنعاء مقابل إنهاء هجماتهم على السفن الأمريكية — لا تزال الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران تُهدّد حركة السفن التجارية المدنية في البحر الأحمر.
وقد أظهرت ضربتان أعلن الحوثيون مسؤوليتهما عنهما خلال أسبوع واحد قرب ميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر، أنّ الجماعة ما زالت تحتفظ بقدراتٍ تتجاوز نطاق أراضيها. واليوم، فإنّ ترسيخ الحوثيين موطئ قدمٍ لهم على السواحل السودانية يعزّز حجم هذا التهديد ويُوسّعه.
الهجمات التي استهدفت سفينتَي سكارليت راي (Scarlet Ray) وإم إس سي آبي (MSC Aby) مطلع سبتمبر/أيلول أثارت مخاوف جديدة بشأن تصاعد عدوان الحوثيين وتطوّر قدراتهم العسكرية. فليست هذه المرة الأولى التي يزعم فيها الحوثيون امتلاك القدرة على ضرب السفن في شمال البحر الأحمر، غير أنّ هذه الهجمات “ترسم حدوداً شمالية جديدة لمدى عمليات الحوثيين” تصل إلى نحو 600 ميلٍ من السواحل اليمنية.
وتثير طريقة التنفيذ مزيداً من التساؤلات حول توقيت الضربات وكيفية وقوعها. فقد قال (هشام مقدشي)، نائب الملحق العسكري اليمني السابق في واشنطن، إنّ الهجوم بطائرة مُسيّرة على سفينة إم إس سي آبي انطلق من زورق صيدٍ تقليدي كان قريباً من السفينة المستهدفة.
ويختلف هذا الهجوم عن الضربات التي استهدفت سفينتَي ماجيك سيز (Magic Seas) وإيترنيتي سي (Eternity Sea) مطلع يوليو/تموز، والتي أُفيد بأنها انطلقت من قوارب صغيرة قبالة سواحل الحديدة.
غير أنّ هناك سيناريو آخر يُحتمل أن يفسّر الزيادة المفاجئة في مدى هجمات الحوثيين: إطلاق المُسيّرات أو الصواريخ أو القوارب المفخخة من السواحل السودانية.
فمن شرق أفريقيا — من الصومال إلى السودان — تتوافر فرص متزايدة أمام الحوثيين، خاصة بعد أن أغلقت الحكومة اليمنية الشرعية وقوات التحالف البحري المشترك طرق التهريب القادمة من عُمان وبحر العرب.
وقد استغل الحوثيون، بدعمٍ وتعزيزٍ من إيران، شبكات التهريب القديمة في اليمن لتأسيس صلات مع حركة الشباب الصومالية وقراصنة بونتلاند.
ويبدو أنّ إيران تسهّل حالياً تمدّد الحوثيين نحو السودان، في وقتٍ تُجدّد فيه الجمهورية الإسلامية علاقاتها مع قوات (عبد الفتاح البرهان) المسلحة السودانية.
ويستفيد الحوثيون اليوم من مرافق موانئ ومستودعات في محيط ميناء بورتسودان، كما يمكنهم استخدام مطار المدينة كنقطة عبور لنقل الأسلحة والتقنيات.
وقعت الضربات التي استهدفت سفينتَي سكارليت راي وإم إس سي آبي على بُعد 160 ميلاً فقط من السواحل السودانية. إنّ استخدام الحوثيين — ومعهم إيران — للساحل السوداني يتيح لهما تحويل الأنظار بعيداً عن مناطق الحوثيين المنهكة في الحديدة وصنعاء.
وقد ازداد خطر العمليات الحوثية في البحر الأحمر أواخر عام 2024 بعد أن غادرت سفن التجسس الإيرانية منطقة باب المندب، الأمر الذي قلّص الدعم الاستخباراتي المباشر للحوثيين في تلك المنطقة.
كما أنّ قوات التحالف البحري المشترك اعترضت هذا العام عدداً من القوارب الصغيرة المهرِّبة للأسلحة إلى الحوثيين، ما يجعل تنفيذ العمليات على بُعد 600 ميلٍ من سواحل اليمن محفوفاً بمخاطر أكبر.
وتُشير الأدلة إلى أنّ إيران نقلت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى القوات المسلحة السودانية طائرات مُسيّرة من طراز “مهاجر-6” و”أبابيل”، إلى جانب أنظمة صاروخية.
ويستمر تدفّق الأسلحة في وقتٍ فرضت فيه إدارة ترامب عقوبات جديدة على عبد الفتاح البرهان وحلفائه الإسلاميين، من بينهم من تورّطوا في استخدام أسلحة كيميائية موثّقة ضد خصومهم. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كتيبة “البراء بن مالك”، وهي من أكثر الميليشيات المتطرفة نشاطاً في السودان، وتُعدّ قوة محورية في عمليات بورتسودان العسكرية ضد قوات الدعم السريع المناوئة للبرهان.
وبذلك، تُصبح هذه الكتيبة جزءاً من الشبكة التي تنقل إيران عبرها الأسلحة، الأمر الذي يثير مخاوف من احتمال حصول الحوثيين على أسلحة كيميائية قد تُستخدم لتهديد دول الجوار أو ضد خصومهم داخل اليمن.
لقد باتت الحروب المستمرة في السودان واليمن تتداخل وتتمدّد خارج نطاقها التقليدي. وبينما لا تزال واشنطن والدول الغربية تنظر إلى عمليات الحوثيين بوصفها محدودة النطاق والجغرافيا، تتزايد المؤشرات على أنّ الحوثيين يعتزمون توسيع نطاق عملياتهم إلى ما يتجاوز التركيز الضيّق الحالي للأنشطة البحرية المناهضة لهم.
وفي الوقت نفسه، فإنّ التنسيق الظاهر بين البرهان والحوثيين يُبرز خطورة ترك الحرب الأهلية السودانية تتصاعد دون كبحٍ أو معالجة.